معنا اليوم قصة جديدة من قصص الأنبياء ، والتي ذكرها القرآن الكريم وهي قصة سيدنا لوط عليه السلام ، وسوف نذكر نبذة عن سيدنا لوط ، ونعلم ما هي الفاحشة التي ارتكبها قومه ، كما سنعلم ما هو العقاب الذي أنزله الله عليهم.
محتويات المقال (اختر للإنتقال)
نبذة عن سيدنا لوط
تعريف بسيدنا لوط : هو لوط بن هاران ابن اخ سيدنا إبراهيم عليه السلام ، وقد سمى لوط لأن سيدنا إبراهيم كان يحبه حباً شديداً حتى لاط الحب بقلبه أي التصق بقلبه وتمكن منه ، وقد هاجر سيدنا لوط مع سيدنا إبراهيم من أرض بابل إلى الشام وكان سيدنا لوط مؤمناُ بسيدنا إبراهيم ومتبعاً له.
معنى كلمة لوط في الأديان : كلمة لوط في اليهودية والمسيحية أنه من أحدي الشخصيات التي تم ذكرها في الكتاب المقدس ، ولكنه نبي من أنبياء الله في الإسلام وتم ذكره في القرآن الكريم ، وقد عاش سيدنا لوط 175 سنة تقريباُ.
هجرة سيدنا لوط من أجل نشر الدعوة : هاجر سيدنا لوط مع سيدنا إبراهيم خليل الله ، من بابل إلى حاران ثم ذهب معه إلى كنعان ، ثم إلى مصر ، ثم رجع إلى كنعان ، وقد حدث شجار بين قوم سيدنا لوط وسيدنا إبراهيم ، فاقترح عليه سيدنا إبراهيم أن يقوم بالتوسع في الأرض والذهاب إلى مكان أخر.
فسافر إلى مدينة تدعى السدوم بجوار نهر الأردن ، وفي ذلك الوقت بعث الله النبوة على سيدنا لوط ، فأصبح مكلف بأن يدعوا هذا القوم الذي بعث فيهم وكذلك القرى التي حولها ، والسدوم هذه بلدة في فلسطين.
حال قوم سيدنا لوط
كان أهل السدوم قول سيدنا لوط عليه السلام ، يقومون بفعل سيء وفاحشة عظيمة لم يأت بها قبلهم أحد من العالمين ، كانوا يميلون إلى الرجال ولا يحبون النساء ، فكانت الشهوة لدى الرجال وبعضهم البعض وهذا شيء مخالف للفطرة التي خلقنا الله عليها ، وهي أن الله خلق لآدم حواء لتكون زوجة له ، فمن يخالف هذه الفطرة والطبيعة يكون مرتكباً لذنب عظيم.
وكان أيضاً من أفعالهم السيئة وطبعاهم القبيحة، أنهم كانوا يخونون بعضهم البعض ، وكانوا يقطعون الطرق ويتربصون للمارة ، وكانوا يشجعون بعضهم على الفواحش والآثام ، ولا ينصحون بعضهم بترك الذنوب.
فكان من يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر يصبح في نظرهم شخص غير سوى ومخالف لهم ولا يسلم من أذاهم وشرهم ، فكان أي ذكر في القرية مطارد حتي يقوموا بفعل الفاحشة معه ، ومن يأبي ويرفض يطردوه من القرية ، لذلك لما أتى إليهم سيدنا لوط ونصحهم بالابتعاد عن هذه الفواحش قالوا، ( أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون).
فكان أي مار على هذه القرية يناله من أذاهم ما يناله ، وكانوا يجاهرون بالمعصية والفواحش ويفتخرون بها ، وكانوا يرفضون أن يتعالجوا من هذه الفواحش ، وكان الحياء منعدم عندهم فكانوا يقومون بهذه الفواحش في الطرق العمومية أمام بعضهم البعض بدون خجل أو حياء ، فلما كان يدعوهم سيدنا لوط إلى الطريق الصحيح كانوا ينفرون منه ويبتعدون عنه ، وقالوا له خذ أنت النساء في بيتك ودعنا وشئننا.
فكان يتقطع قلب سيدنا لوط بسبب أفعالهم هذه ، وهو رسول مبعوث إليهم ويريد هدايتهم إلى طريق الله ، ولكن كيف السبيل مع هؤلاء القوم الجاحدون ، فلم يؤمن أحد بسيدنا لوط من هذه القرية إلا بيته حتى أن زوجة سيدنا لوط لم تؤمن به ولكن تدعى الإيمان ، وكانت زوجته من أهل سدوم تزوجها سيدنا لوط بعد وفاة زوجته الأولى أم بناته.
ولم يكتفى قوم سيدنا لوط بكفرهم برسالة سيدنا لوط ، بل إنهم قاموا بتهديده إن لم يكف عن دعوتهم إلى الإيمان والطهارة سوف يقومون بطرده من القرية وسوف يعاقبوه كما جاء في سورة الشعراء ( قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المُخرَجين ).
فكان رد سيدنا لوط عليهم أنه قال لهم أنه غير موافق على أفعالهم وغير راضٍ ، كما جاء في سورة الشعراء ( قال إنى لعملكم من القالين ) ، وبعدها قام بدعوة الله عز وجل وطلب منه أن ينجيه وأهله من هذا القوم المفسدين الظالمين ، ولكن ظل قومه مستمرين على مهم هم عليه من ذنوب وفواحش ، وتمادوا أكثر وأكثر ، لا يريدون أن يتعالجوا من هذه الأفعال ولا يردون من أحد أن ينصحهم ، لقد سيطرت عليهم شهوتهم تماماً ، حتى أصبحوا كالأنعام بل هم أضل ، وقالوا لسيدنا لوط أنزل علينا العذاب ولكن لن ننتهي عما نحن عليه.
فحينها أرسل الله عز وجل لهم ملائكة العذاب فذهبت هذه الملائكة أولاً إلى سيدنا إبراهيم لكي يبشروه بابنه إسحاق ، وأخبروه أن الله عز وجل أرسلهم إلى قوم ظالمون لكي يهلكوهم ويجعلوهم عبرة لمن خلفهم وهم أهل السدوم.
وعلى الرغم من فرحة سيدنا إبراهيم بالبشرى إلا أن رحمته وحبه لسيدنا لوط أكبر، فحاول أن يتناقش مع الملائكة وقال للملائكة أن هذه القرية فيها سيدنا لوط ، فردت عليه الملائكة وقالت له أن الله يعلم بمن فيها وهو من أرسلنا لها ، وسوف ينجي لوط وأهله فلا تقلق عليهم ، ولا تجادلنا في أمر الله لأنه نافذ لا محالة.
ذهاب الملائكة لقوم سيدنا لوط
ذهبت الملائكة من عند سيدنا إبراهيم واتجهت إلى قرية سيدنا لوط في صورة بشرية ، وعندما رآهم سيدنا لوط خاف عليهم من قومه ، وحاول أن يخفيهم في بيته حتى لا يراهم قومه ، ولكن زوجته سرعان ما تسللت وذهب لتخبر القوم وقالت لهم ، إن ببيت لوط رجال في غاية الجمال ، وفى فترة قصيرة انتشر الخبر وعلم كل أهل القرية بخبر هؤلاء الرجال الغرباء ، وذهبوا في سرعة إلى منزل سيدنا لوط وطلبوا منه أن يسلمهم الضيوف حتى يفعلوا معهم الفاحشة ، فأرشدهم سيدنا لوط إلى نساء القرية وقال لهم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ، أي تزوجوا بالفتيات هذه هي الفطرة السليمة.
وقال لهم تذكروا الله وخافوه ، وقال لهم وهو مهموم ولا تخزوني في ضيفي ، ولا تلحقوا العار بي ولا تقوموا بإيذاء ضيوفي وتجبروهم على فعل هذه الفاحشة ، ولكن لم يستجب له قومه ، فلقد تمكنت الشهوة منهم وتغلبت عليهم فظلوا يطالبوه بإخراج ضيوفه من المنزل حتي يفعلوا معهم الفاحشة.
فأغلق الباب على ضيوفه وشعر بالضعف والوحدة والعجز عن حمياتهم ، فهو رجل كبير ووحيد وهؤلاء قوم ظالمون لا يتراجعون ولا ينتهون ، ورجع إلى ضيوفه ووجدهم في حالة سكينة وهدوء ، ولا يظهر عليهم أي علامات الخوف والقلق ، فاندهش سيدنا لوط وتعجب من رد فعلهم هذا على الرغم أنهم سمعوا ما طلبه القوم منه.
فبدأ أهل القرية يقوموا بقرع الباب ويحاولون أن يكسروه ويقتحموا البيت ، فقال سيدنا لوط يا ليت كنت أملك عشيرة أو أهل حتى أستطيع الدفاع عن هؤلاء الضيوف ، وهذا لا ينفى أنه مؤمن أشد الإيمان بالله ويعلم أن الله سينجيه ، لكن من هول الموقف يريد حل سريع وفوري.
لأن أهل القرية على الباب يريدون الهجوم على الضيوف ، ومن لطف الله ورحمته أنه استجاب لسيدنا لوط حتى من قبل أن يطلب ذلك لأن الحماية كانت عنده وهم الملائكة ، وأن الله أرسلهم إليه لعلمه بطغيان قومه وفساد قلوبهم وفطرتهم ولأن لا فائدة من دعوتهم ، وكان سيدنا محمد ﷺ عندما قرأ هذه الآية قال : سلام على لوط إنه كأن يأوي إلى ركن شديد.
وقوع العذاب على قوم لوط
ولما بلغ الكرب ذروته وظهر القلق والخوف على سيدنا لوط ، قالت له الملائكة لا تخف يا لوط ولا تقلق أنت بالفعل تحت رعاية الله ورحمته وحمايته ، وأخبروه أنهم ملائكة وأن الله هو من أرسلهم إليه ، وأنهم سيهلكون قومه وينجوه وأهله إلا أمرأته لأنها كانت من الغابرين.
فأشار سيدنا جبريل بطرف جناحه فعميت أبصار الناس على الفور ، وقالت الملائكة لسيدنا جبريل خذ أهلك واترك القرية ولا يلتفت منكم أحد ولا ينظر وراءه أبداً ، لأنكم ستسمعون أصوات صراخ وعذاب واستغاثة ، فلو نظر أحد منكم إلى الوراء سوف يصيبه ما يصيب هذه القرية.
وأخبرته الملائكة بأن زوجته كافرة وسوف تخرج معه ولكنها سوف تقوم بالنظر إلى الخلف فيصيبها ما أصاب القوم فلا تخبرها بذلك ، وهناك تفسير آخر يقول أنها لم تخرج معهم أصلاً وأن سيدنا لوط أخفى عليها أمر الخروج من القرية لما علم أنها من الكافرين .
المهم أنها كانت كافرة وهلكت مع القوم ، ولكن سيدنا لوط سأل الملائكة وقال لهم هل سيصيب القوم العذاب الآن! ، فقالت له الملائكة أن العذاب أمر به الله أن يقع في صباح اليوم التالي ، وأخبروه بأن الصباح قريب وليس ببعيد، كما قال الله تعالى : ( إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ).
وتأخير نزول العذاب كان لحكمة يعلمها الله وفيه مصلحة لسيدنا لوط وليس لقومه وهي أن يبتعدوا قدر المستطاع عن القرية ، حتي لا يرون العذاب ويشعروا بالخوف والذعر، وفعلاً في الليل خرج هو وبناته والله أعلم إن كانت قد خرجت زوجته مع أم لا ، واقترب الصباح وكذلك اقترب نزول العذاب.
هلاك قوم لوط
فور اقتراب الصباح قام سيدنا جبريل بحمل هذه القرية على طرف جناحه حتي يجعل عاليها سافلها ، وهذا العذاب يسمي بالتنكيس ، أي أنه تقلب الشيء فتجعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه ، ولم يكتفي عذابهم على ذلك ، بل كان هناك حجارة من النار تسقط فوق رءوسهم وتخرج من أدبارهم وكانت هذه الحجارة مسماة لكل شخص من أهل القرية لشدة الذنوب التي كانوا يفعلونها ومن شدة غضب الله عليهم ، فخصص الله عز وجل حجارة بأسمائهم.
واستمر العذاب واستمر المطر عليهم حتى انتكست القرية ، ودكت القرية في الأرض وهلكوا جميعاً لم ينجوا منهم أحداً ، واختفت معالمهم وانزل الله عز وجل ماء من السماء علي الأرض فلم يظهر لهم أثر.
هذا العذاب كله كان له صوت مفزع وشديد وقد سمعه سيدنا لوط وأهله ولكن سيدنا لوط لم ينظر هو ولا بناته لأنهم يعلمون ما سيصيب من ينظر خلفه ، وقد قيل أن زوجته نظرت خلفها فأصبحت معهم وأصابها العذاب فهلكت مع الهالكين.
وبعد انتهاء العذاب وإهلاكهم جعلهم الله عز وجل آية لمن خلفهم حتى يعتبروا منهم ، فجعل أثرهم باقٍ ، كما قال الله تعالى ( ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون ) ، فكانت القوافل التي تذهب إلى الشام للتجارة تمر على قرية سدوم ذهاباً وإياباً وترى العذاب الذي أصابهم حتى يعتبروا بهم ، وقد أراد الله عز وجل لكل مسلم أن يعتبر من هذه القصة ولا نمر عليها مرور الكرام ، فقال الله تعالى ( إن في ذلك لآية للمؤمنين ) .
اين تقع قرية سيدنا لوط
أكثر العلماء يقولون أن مكان القرية أصبح بحيرة ماؤها شديد الملوحة ، كما أن كثافة الماء أكبر من كثافة ماء البحر المالح ، كما أنه يوجد في هذه البحيرة صخور معدنية ذائبة ، توضح أن هذه الحجارة كانت شديدة الاشتعال والالتهاب ، كما يقال أن هذه البحيرة هي البحر الميت ، اللي معروف عنها انعدام الحياة فيها لشدة ملوحة مياهها ، ولكن مكان القرية لا أحد يعلمه على الأرجح.
ولقد ذكر الله عز وجل قصة سيدنا لوط في القرآن 14 مرة في 14 سورة وكثرة التكرار تفيد التنبيه وعظم الذنب الذي كان يفعله قوم لوط ، ويكرر لنا الله عز وجل ويذكرنا بالعذاب الواقع عليهم ، حتي نعتبر ونتعظ ، ولنعلم أن الله عز وجل لا يقوم بتحريم شيء إلا وفيه ضرر لنا ، وعلى الرغم من ذلك أن الله عز وجل يعطي كل البشر حرية الاختيار لكن مع تحمل نتيجة أفعالهم ، وهذا عين العدل.
وعلينا أن نتأكد أن كل تحريم حرمه الله علينا فيه ضرر وحتى لو لم يكن ظاهر فعلينا الطاعة والامتثال ، فنحن عباد لله وعلينا طاعته ، ولقد تم اكتشاف خطورة وأضرار اللواط وهو فعل قوم لوط ، فمن الناحية الطبية أنه يسبب : سرطان الشرج ، كما يسبب مرض الإيدز الذى لا يوجد علاج له ، السيلان ، مرض الهربس ، ارتخاء عضلات المستقيم وعدم التحكم في البراز ، واضطرابات نفسية ، والكثير الكثير من الأضرار التي لا يتسع المجال لذكرها.
ومن الناحية الاجتماعية : يؤدى هذا الفعل إلى انقطاع النسل لأن الرجال يكتفون ببعضهم البعض ولا يتزوجوا ، وهذا يكون سبب في فناء البشر.
الدروس المستفادة من قصة سيدنا لوط
- اجتناب موضع الشبهات والابتعاد عن موضع الذنوب والفواحش.
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ بالنصيحة وعدم الكبر.
- حب الخير لأخيك المسلم كما فعل سيدنا إبراهيم لما أخبرته الملائكة أنها ذاهبة لتدمير قوم لوط.
- احترام الضيف واكرامه كما فعل سيدنا لوط مع الملائكة عندما جاءوه في هيئة بشر.
- عقوبة فعل اللواط وخطورته ومعرفة غضب الله على من يفعله ولا ينوى التوبة عنه.
- أن الجهر بالمعصية والتفاخر بها والإصرار عليها أكبر عند الله من فعل المعصية نفسها.
- أن الإبتلاء يكون على قدر حب الله لعبده ، فلا يبتلي الله إلا من يحب.
- أن الله دائماً مع الذين ءامنوا فهو يرعاهم ويحيطهم بلطفه حتى في أشد المحن.
- يجيب علينا الإمتثال لأوامر الله وطاعته لأن الله لا يحرم علينا إلا ما هو فيه ضرر لنا.
- عدم الانسياق وراء الحرية ومخالفة الطبيعة التي خلقنا الله عليها ، وهي أن الذكر يتزوج من أمرة وكذلك المرأة تتزوج من ذكر ، إنا خلقناكم من ذكر وأنثي.