بداية سوف نقوم بمعرفة نسب سيدنا موسي ، وقصة سيدنا موسى كاملة، من هو سيدنا موسى ،هو موسي بن عمران بن قاهف بن عازر بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، علي رسل الله ورسولنا افضل الصلاة وازكي التسليم، امه تسمي (أيا زخت)، اين ولد سيدنا موسي ؟ ولد سيدنا موسي ولد موسي في ظل أجواء من الطغيان واجواء من الفساد كما جاء في قوله تعالي: (إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يقتل ابناءهم ويستحيي نسائهم انه كان المفسدين) .
قصة سيدنا موسى وحال بني إسرائيل قبل قدومه
وقت حياة سيدنا يوسف بمصر، تحولت مصر إلى توحيد الله سبحانه وتعالى، ولكن بعد وفاته ، رجع أهل مصر إلى كفرهم وشركهم ، لكن أبناء ونسل يعقوب عليه السلام (إسرائيل)، فقد اختلطوا بأهل مصر ، فضلّ منهم من ضل، وبقي على التوحيد من بقي، وتكاثر أبناء إسرائيل وكثر عددهم، وحكم الفراعنة مصر وظلوا يقهرون ويعتدون علي الناس وكان لبني إسرائيل النصيب الأكبر من ذلك العذاب والظلم.
كان على رجال بني إسرائيل أن يوافقوا بحياة العبودية والذل، وعليهم ان يعبدوا الفرعون، ويطيعوا أوامره لأنه إله الناس، وكان بنو إسرائيل يتوارثون بشارة منذ زمن يوسف ويعقوب عليهم السلام ، كانوا ينتظرون ميلاد الرجل الذي سيخلصهم من هذا العذاب .
سمع الفرعون بتلك البشارة وهذا الكلام ، وأكد الكهنة له أنه سيولد في بني إسرائيل ولد وسيكون هلاك الفرعون على يديه، قلق الفرعون من هذه البشارة وأخذ يفكّر بإبادة بني إسرائيل ، فقرر الفرعون ذبح كل من يولد من الذكور في بني إسرائيل.
بدأ تطبيق نظام القتل كل ذكر يولد، ثم اقترح مستشارون فرعون عليه، إن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم، والصغار يُذبحون، وهذا سوف يؤدي إلى إفناء بني إسرائيل، فستضعف مصر لقلة الأيدي العاملة بها، والأفضل أن تنظم العملية، بأن يذبحون الذكور في عام، ويتركونهم في العام الذي يليه، وافق الفرعون على هذه الفكرة وهذا الاقتراح، وهذه حكمة الله في قصة سيدنا موسى، حتي نعلم أن الله هو اللطيف القادر.
سيدنا موسى وولادته
حملت أم موسى بهارون في العام الذي لا يُذبح فيه الصبيان، فولدته علانية وهي مطمئنة، فلما جاء العام الذي يقتل فيه الصبيان وُلد موسى، فخافت أمه عليه من الذبح والقتل، فأوحى الله إليها بصنع صندوق صغير من الخشب لموسى عليه السلام، ثم إرضاعه ووضعه في هذا الصندوق، وإلقاءه في النهر.
حملت مياه النيل هذا الصندوق الخشبي الذي بداخله سيدنا موسي عليه السلام إلى قصر فرعون ، وهناك قذفه الموج للشاطئ، وعندما ذهبت الجواري ليملأن الأواني من النهر، وجدن الصندوق، فحملنه إلى زوجة فرعون، فرأت سيدنا موسي عليه السلام بداخله، فشعرت بحبه في قلبها، فلقد ألقى الله في قلبها محبته فأخذته من الصندوق، وذهبت به إلى فرعون وهي تحمله، فسألها من أين جاءت بهذا الرضيع؟ فحدثوه بأمر الصندوق، فقال بقلب لا يعرف الشفقة، لابد أنه أحد أطفال بني إسرائيل، أليس المفروض أن يُذبح أطفال هذه السنة؟ وكان على وشك ذبحه بيديه، فذكّرته زوجته بعدم قدرتهم على الإنجاب، وطلبت منه أن يسمح لها بتربيته، فسمح لها بذلك.
رفض سيدنا موسي عليه السلام المراضع ورده إلى أمه
أخذ موسى عليه السلام في البكاء من الجوع، فطلبت زوجة فرعون بإحضار المراضع، فرفض موسى عليه السلام كل المراضع، فاحتارت زوجة فرعون ولم تكن تعرف ماذا تفعل.
لم تكن زوجة فرعون هي وحدها المهمومة بسبب رفض موسى لكافة المراضع، فلقد كانت أم موسى هي أيضاً باكية ومهمومة، لولا أن الله تعالى ثبتها وربط على قلبها وملئه بالرضا، فهدأت واستكانت وتركت أمر طفلها لله، كل ما في الأمر أنها طلبت من بنتها، أن تذهب بهدوء إلى المدينة وتحاول أن تعرف ماذا حدث لأخيها موسى.
ذهبت اخت سيدنا موسي إلى جوار قصر الفرعون، فإذا بها تسمع القصة التي تدور بداخل القصر ، وعلمت أنه يرفض جميع المراضع، فطلبت من حرس فرعون وقالت ، هل أدلكم على أهل بيت يرضعونه لكم ؟ ففرحت زوجة فرعون لهذا الأمر، وطلبت منها أن تأتي بالمرضعة، ورجعت اخت سيدنا موسي وأحضرت أمه، وأرضعته أمه فرضع ، وفرحت زوجة فرعون، وقالت اتركيه معك حتى تنتهي فترة رضاعته وأرجعيه إلينا بعدها، وسنعطيك أجراً كبيرا على تربيتك له، وهكذا رد الله تعالى موسى لأمه كي تقر عينها ويهدأ قلبها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق وأن ارادته تنفذ رغم أي شيء.
سيدنا موسى ونشأته في بيت فرعون
أتمت أم موسى رضاعته وأعادته لبيت فرعون، وبدأت تربيته في بيت فرعون، وهكذا شاءت حكمة الله أن يتربى موسى أعظم تربية، وأن يعلمه أعظم المدرسين، وأن يكون هذا كله في بيت عدوه الذي سيصطدم به فيما بعد تنفيذاً لمشيئة الخالق عز وجل.
كبر موسى في بيت فرعون، وخلال تلك الفترة الطويلة التي تمتد إلى قرابة عشرين سنة، عرف موسى أشياء وحقائق كثيرة، واكتشف انه ليس ابناً لفرعون، بل انه ليس قبطياً، إنه ابن عمران من بني إسرائيل، وكان يرى كيف يكره ويظلم رجال فرعون وأتباعه بني إسرائيل، وكبر موسى وبلغ أشده، (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا ) فوجد رجلاً قبطياً يتعارك مع رجل من بني إسرائيل، واستغاث به رجل بني إسرائيل، فتدخل موسى ودفع بيده الرجل الآخر، فقتله بغير قصد حيث كان موسى شاباً مفتول العضلات قوّياً يهابه الجميع، ودعا موسى ربه (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) .
ظل موسى (فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) ، وفوجئ موسي أثناء سيره بنفس الرجل الذي أنقذه بالأمس، وهو يطلب منه النجدة اليوم، كان الرجل أيضا مشتبكا في عراك مع أحد الأقباط، وأدرك موسى بأن هذا الإسرائيلي مشاكس، وصرخ موسى في الإسرائيلي يعنفه قائلا (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ) ، قال موسى كلمته ومع ذلك فقد هبّ لنجدة الإسرائيلي ، وظن الإسرائيلي أن موسى سيضربه به هو، فدفعه الخوف من موسى إلى استرحامه صارخاً (إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ)، وذكّره بالمصري الذي قتله بالأمس، فتوقف موسي وسكت عنه الغضب وتذكر ما فعله بالأمس، فاستغفر وتاب .
علم المصري الذي كان يتشاجر مع الإسرائيلي، أن موسى هو قاتل المصري الذي عثروا على جثته بالأمس ، ولم يكن أحد من المصريين يعلم من القاتل، فنشر هذا المصري الخبر في أرجاء المدينة، وانكشف سر موسى وكشف أمره، وجاء رجل مصري مؤمن من أقصى المدينة مسرعا، ونصح موسى بالخروج من مصر، لأن المصريين يريدون قتله، لما فعله بقتل المصري.
خرج موسى من مصر على الفور، خائف يتلفت ويترقب، خرج بمجرد أن أخبره الرجل المؤمن وحذره من فرعون ونصحه أن يخرج، اختار طريقا لا يسير به أحد وسلكه، ذهب إلى الصحراء حيث قدر الله له أن يذهب، ولم يكن يخطط سيدنا موسي لأي شيء.
استمر سيدنا موسي عليه السلام بالسير حتى وصل إلى بلد تدعي (مدين) وألقى بنفسه تحت شجرة ليستريح، وقد ناله الجوع والتعب، لاحظ موسى جماعة من الرعاة يسقون غنمهم، ووجد امرأتين تكفان غنمهما حتي لا يختلط بغنم القوم، شعر موسى أن الفتاتين في حاجة إلى المساعدة، تقدم منهما وسألهما لماذا لا تسقيان؟
عادت الفتاتان إلى أبيهما الشيخ وقصا عليه ما حدث معهما، (قال بعض المفسرين إن هذا الشيخ هو نبي الله شعيب، وقيل إنه ابن أخي شعيب، وقيل ابن عمه، وقيل رجل مؤمن من قوم شعيب الذين آمنوا به، لا نعرف أكثر من كونه شيخاً صالحاً )، فطلب الأب من ابنته وقال لها : اذهبي إليه وقولي له : (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا)، ذهبت واحدة من الفتاتين إلى سيدنا موسي عليه السلام، وأبلغته رسالة أبيها، فوافق وقال لها سأسير أنا أمامك، وأخبريني أنت إلى الطريق.
وصل موسى إلى الشيخ وأخبره عن قصته، قال له الشيخ : (لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، هذه البلاد لا تتبع مصر، ولن يصلوا إليك هنا، اطمئن موسى ونهض ليذهب، قالت ابنة الشيخ لأبيها بصوت خافت : (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)، سألها الأب كيف عرفت أنه أمين؟ قالت : لأنه امتنع أن يسير ورائي حتي لا ينظر لى، وسار أمامي ، وظل طول الوقت الذي كنت اكلمه فيه ينظر إلى الأرض، لما عليه من الحياء والأدب .
عاد الشيخ لموسى وقال له : أريد يا موسى أن أزوجك إحدى ابنتي مقابل أن تعمل في رعي الغنم عندي ثماني سنوات، فإن أتممت عشر سنوات، فمن كرمك، ولا أريد أن أشق عليك، (ستجدنى إن شاء الله من الصالحين) ،قال موسى :هذا عهد بيني وبينك، والله يشهد على ذلك، اذا قضيت العشر سنوات او الثمانية فسوف أصبح حراً بعد ذلك في أن أرحل.
سيدنا موسى وعودته لمصر
عندما أصبح عمر موسى أربعين سنة، كان قد وفى بوعده لشعيب وقد أتم الأجل الثاني أي إنه ظلَّ يرعى الغنم عشر سنين كاملة، وفكر موسى أن يرجع إلى مصر، كان يشعر ان له مهمّة ويجب عليه أن يقوم بها، واستأذن شعيب في الرجوع إلى مصر .
خرج موسى مع أهله وسار في الصحراء في اتجاه مصر، وفي منتصف الطريق في جزيرة سيناء على مقربة من جبل الطور، اشتد البرق والرعد وأمطرت السماء وزادت حدة البرد والظلام ، وتاه موسى أثناء سيره، وفجأة سطع نور من جهة جبل الطور، رأى موسى ناراً تشتعل من بعيد ، فأمر أهله أن يجلسوا مكانهم حتى يذهب إلى النار لعله يأتي بأخبار لهم،أو برى أحداً فيسأله عن معالم الطريق ، أو يأتي إليهم ببعض من الخشب المشتعل فيستدفئون به.
ذهب موسى مسرعاً حتى وصل إلى واد يسمونه طوى، لاحظ شيئاً غريباً في هذا الوادي، لم يكن هناك برد ولا رياح، واقترب موسى من النار، فوجد شجرة تتوهج ناراً، لكنه لم ير أحداً يسأله عن الطريق، لم يكد يقترب منها حتى نودي (أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ثم سمع صوتاً يناديه (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى) .
عاد الحق سبحانه وتعالى يقول: (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) زاد انتفاض جسد موسى وهو يتلقى الوحي الإلهي ويستمع إلى ربه وهو يخاطبه ، قال الرحمن الرحيم: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى) أجاب موسى : (هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) .
قال الله عز وجل : (أَلْقِهَا يَا مُوسَى )، رمى موسى العصا من يده وقد زادت دهشته مما رأه، وفوجئ بأن العصا تتحول فجأة إلى ثعبان ضخم، وهذه أول معجزة من معجزات سيدنا موسى، ولم يستطع موسى أن يقاوم خوفه، واستدار موسى وبدأ يهرول، لم يكد يجري خطوتين حتى ناداه الله : (يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ)، عاد موسى ولم تزل العصا تتحرك، قال الله سبحانه وتعالى لموسى : (خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى).
عاد الأمر الإلهي يقول له : (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) وضع موسى يده في جيبه وأخرجها فإذا هي تتلألأ كالقمر، وهذه ثاني معجزة من معجزات سيدنا موسى ووضع يده على قلبه كما أمره الله فذهب خوفه تماما.
معجزات سيدنا موسى
أصدر الله إلى موسى أمراً بعد هاتين المعجزتين معجزة العـصا، ومعجزة اليد، أن يذهب إلى فرعون ليدعوه إلى الله برفق ولين وحكمة، ويأمره أن يخرج بني إسرائيل من مصر، واظهر موسى عليه السلام خوفه من فرعون وملأه، قال انه قتل منهم نفساً في الماضي ويخاف أن يقتلوه، وطلب من الله أن يرسل معه أخاه، هارون وقد استجاب الله لطلبه، وقال له، (سنشد عضدك بأخيك) .
أخبر الله موسى أنه سيكون بجوارهما يسمع ويرى، حتي لا يخافا ، وأن فرعون رغم قسوته وتجبره لن يمسهما بسوء، أفهم الله موسى أنه هو الغالب وأنه هو القوي.
فدعا موسى الله أن يشرح له صدره وييسر له أمره ويمنحه القدرة على الدعوة إليه ، ثم عاد موسى لأهله بعد اصطفاء الله له واختياره رسولاً إلى فرعون.
رحلة سيدنا موسي إلى الأرض المقدسة
سار موسي بقومه في اتجاه بيت المقدس، أراد الله سبحانه وتعالى أن يتم نعمته على بني إسرائيل، فقال لهم سيدنا موسي عليه السلام : يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتبها الله لكم، عندما سمع بنو إسرائيل ذلك، شعروا بالخوف من الرجلين الذين يعيشون على تلك الأرض، قالوا خائفين يا موسى ان فيها قوماً جبّارين ونحن لن ندخلها حتى يخرجوا منها أولا، اطرد منها الجبابرة لكي ندخل تلك المدينة، فإذا خرجوا منها فإننا داخلون.
من بين تلك الحشود قام رجلان فقط وقالا : انكم إذا حاصرتم المدينة ودخلتم بوابتها، فإنكم سوف تنتصرون ، فتوكلوا على الله، ولكن بني إسرائيل سيطر عليهم القلق والخوف فقالوا : يا موسى إنا لن ندخلها أبداً مادام هؤلاء القوم فيها، ثم قالوا له : اذهب أنت وربّك فقاتلا انا ها هنا قاعدون !
نزول العقاب علي بني إسرائيل
قصة البقرة : في تلك المدّة من الزمن وهي فترة التيه، وقعت بعض الحوادث منها ما حدث ذات يوم، أنه وقعت جريمة قتل في الليل، وقام القاتل بحمل القتيل ورميه في الطريق، واختصم أهله ولم يعرفوا قاتله، وحين أعياهم الأمر لجئوا إلى سيدنا موسي ليلجأ لربه، ولجأ موسى لربه فأمره، أن يأمر قومه أن يذبحوا بقرة، وكان المفروض هنا أن يذبح القوم أول بقرة تقع أمامهم، ولكنهم اتهموا موسى بأنه يسخر منهم، واستعاذ موسي بالله أن يكون من الجاهلين ويسخر منهم، أفهمهم أن حل القضية يكمن في ذبح بقرة.
هكذا حُددت البقرة بأنها صفراء، ورغم وضوح الأمر، فقد عادوا إلى الجدال، فشدد الله عليهم، عادوا يسألون موسى أن يدعو الله ليبين ما أوصافها بشكل أكثر دقة، فإن البقر تشابه عليهم وإنهم سوف يذبحونها، وحدثهم موسى عن بقرة ليست معدة لغرض الحرث ولا السقي، لا يوجد بها عيوب، صفراء لا شية فيها بمعنى خالصة الصفرة، فأخذوا يبحثون عن بقرة بهذه الصفات الخاصة، وأخيراً وجدوها عند غلام يتيم فاشتروها وذبحوها، وقد قاربوا ألا يفعلوا ذلك لعنادهم.
أمسك سيدنا موسي بجزء من هذه البقرة (وقيل لسانها) وضرب به القتيل فقام من موته، وأخبر عن قاتله ، ثم عاد إلى الموت، وشاهد بنو إسرائيل معجزة إحياء الموتى أمام أعينهم، وهي احدي معجزات سيدنا موسى ، وانكشف غموض القضية التي حيرتهم زمناً طال بسبب عنادهم وتعنتهم .
قصة سيدنا موسي والخضر
قام موسى ذات يوم يحطب في بني إسرائيل، يدعوهم إلى الله، ويبدو أن حديثه جاء جامعاً، بعد أن انتهى من خطابه سأله أحد المستمعين من بني إسرائيل : هل على وجه الأرض شخص أعلم منك يا نبي الله؟ فرد موسى مندفعاً : لا ، فبعث الله إليه جبريل يسأله : يا موسى ما يدريك أين يضع الله علمه؟ أدرك موسى أنه تسرع، وعاد جبريل عليه السلام، يقول له : إن لله عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك وأعلم أهل الأرض.
تساءل موسى : أين يجد هذا العبد الصالح لكي يتعلم منه الحكمة ؟ ، أوحى الله إليه أنه سيعثر عليه في )(مجمع البحرين)، وأن يحمل معه حوتا في سلة، أي سمكة في سلة، وفي هذا المكان الذي تعود فيه الحياة لهذا الحوت ويهرب في البحر، سيجد العبد العالم في هذا المكان، انطلق موسى ومعه فتاه يوشع بن نون، وصل الاثنان إلى صخرة بجوار البحر عند مجمع البحرين، رقد سيدنا موسي واستسلم للنعاس، وبقي الفتى ساهراً، وألقت الرياح إحدى الأمواج على الشاطئ، فأصاب الحوت رذاذ فدبت فيه الحياة وقفز إلى البحر.
استيقظ موسى من نومه ونادى يوشع بن نون لاستكمال المسير، وأنسى الشيطان يوشع بن نون قصة السمكة، فلم يخبر بها سيدنا موسي عليه السلام بما حصل، وسارا مسافة طويلة حتى شعرا بالتعب والجوع ، قال موسى لفتاه : هات طعامنا لقد تعبنا من طول الطريق، وهنا تذكر يوشع ما حصل للسمكة فقال لموسى : أتذكر المكان الذي استرحنا فيه، لقد عادت الحياة للسمكة واتخذت طريقها إلى البحر، ولكن قد أنساني الشيطان أن أخبرك بعذا الأمر، قال موسى وقد وفرح : هذا ما كنا نطلبه هيّا بنا إلى الصخرة، التي جلسنا عندها وعادا إلى نفس المكان الذي استراحا فيه ،هناك وجد موسى الرجل الصالح (يقال انه الخضر عليه السلام وكان نبياً من الأنبياء)، وسأله الخضر : من تكون ؟ فرد موسى :علي سؤاله من هو سيدنا موسى؟ وقال : أنا موسى بن عمران ، فقال الرجل الصالح : نبي بني إسرائيل ؟ قال موسى متعجباً : نعم، ولكن من أخبرك بذلك، فرد الخضر : أخبرني الذي أرسلك إليّ .
أدرك سيدنا موسى أنه قد وجد الرجل الذي يبحث عنه، قال له موسى أريد أن أصحبك لأتعلّم منك ما علمك الله سبحانه وتعالى، قال الخضر : (إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) ، قال له موسى (سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا) قال الخضر : إذا أردت أن ترافقني في رحلتي لا تسألني عن أي شيء أقوم به ، وسوف أحدّثك عنه فيما بعد، فوافق سيدنا موسى على ذلك وسارا معاً.
فانطلقا يسيران على الساحل، فمرت بهما سفينة، فطلبا من أهلها أن يركبا معهم، فلما ركبا خلع الخَضِر لوحًا من السفينة فثقبها ، فقال له موسى: أَخَرَقْتَ السفينة ؛ لتُغرِق من فيها ، وقد حملونا بغير أجر؟ لقد فعلت أمرًا منكرًا، قال له الخَضِر : لقد قلت لك من البداية : إنك لن تستطيع الصبر على رفقتي ، قال موسى معتذرًا : لا تؤاخذني بنسياني شرطك هذا، ولا تحملني مشقةً في تعلُّمي منك.
بينما هما يمشيان على الساحل إذ شاهدا غلامًا يلعب مع الغلمان، فقتله سيدنا الخَضِر، فأنكر موسى عليه وقال : كيف قتلت نفسًا بريئة لم تبلغ حدَّ التكليف، ولم تقتل نفسًا ، حتى تستحق القتل بها؟، لقد فَعَلْتَ أمرًا منكرًا عظيمًا، قال الخَضِر لموسى معاتبًا ومذكرًا : ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا، على ما ترى من أفعالي مما لم تحط به خُبْرًا؟، قال موسى له : إن سألتك عن شيء بعد هذه المرة فاتركني ولا تصاحبني ، قد بلغتَ العذر في شأني أمرا .
فذهب موسى والخَضِر حتى وقفا عند أهل قرية، فطلبا منهم طعامًا على سبيل الضيافة، فامتنع أهل القرية عن ضيافتهما، فوجدا فيها حائطًا مائلا يوشك أن يقع، فعدَّل الخَضِر مَيْلَه حتى صار مستويًا، قال له موسى : لو شئت لأخذت على هذا العمل أجرًا، حتى تصرفه في تحصيل طعاما لنا، حيث لم يضيفونا، قال الخَضِر لموسى : هذا وقت الفراق بيني وبينك، سأخبرك بما أنكرت واعترضت عليَّ من أفعالي التي فعلتها ، والتي لم تستطع صبرًا على ترك السؤال عنها .
وقال له الخضر : أما السفينة، التي ثقبتها فإنها كانت لأشخاص مساكين يعملون في البحر عليها سعيًا وراء الرزق، فأردت أن أعيبها بذلك الخرق؛ لأن أمامهم ملكًا يأخذ كل سفينة لا عيب فيها غصبًا من أصحابها، وأما الغلام الذي قتلته فكان في علم الله سيصبح كافرًا، وكان أبواه مؤمِنَيْن، فخشينا لو بقي الغلام حيًا، لأكره والديه على الكفر والطغيان؛ لأجل محبتهما إياه أو للحاجة إليه، فأردنا أن يُبْدِل الله أبويه بمن هو خير منه، صلاحًا وبرًا بهما.
وأما الحائط : الذي أقمته حتى استوى، فإنه كان لغلامين يتيمين في القرية التي فيها الجدار، وكان تحته كنز لهما من الذهب والفضة، وكان أبوهما رجلاً صالحًا، فأراد ربك أن يكبَرا ويبلغا قوتهما، ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك بهما وشكرا لصنيع ابويهما، وما فعلتُ يا موسى جميع الذي رأيتَني فعلتُه، عن أمري ومن تلقاء نفسي ، وإنما فعلته عن أمر الله، ذلك الذي وضحت لك أسبابه هو عاقبة الأمور التي لم تستطع صبرًا على ترك السؤال عنها والإنكار عليَّ فيها.
وفاة سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام :
رجع موسى إلى قومه، وظل يعظهم ويهديهم إلى عبادة الله، وكان يعلمهم التوراة إلى أن اقترب أجله، وكان لم يزل في التيه، فكان يدعو ربه : رب قربني إلى الأرض المقدسة رمية حجر، أحب أن يموت قريباً من الأرض التي هاجر إليها، ولكنه لم يستطع ومات في التيه، ودفن عند كثيب أحمر، أحبر عنه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : لما أسري بي مررت بموسى وهو قائم يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر، وقيل أن عمر موسى عليه السلام عند وفاته مائة وعشرين سنة، والله أعلم ، وتولى يوشع بن نون أمر بني إسرائيل، من بعده.