ورد في القرآن الكريم أكثر من قصة عن سيدنا ابراهيم ، فقصص الأنبياء هي أكثر القصص ورودا في القرآن الكريم وهي مليئة بالعبر والعظات.
ومن قصص سيدنا ابراهيم عليه السلام ما ورد في سورة البقرة، وكذلك سورة النجم، كما أن له سورة تسمي إبراهيم، لعلو شئنه ومكانته عند ربه، فلقد سماه الله أمة، وقال الله تعالى {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً}.
مولد سيدنا ابراهيم عليه السلام : اختلفت الآراء حول مكان ميلاد سيدنا ابراهيم ، قيل أن سيدنا ابراهيم عليه السلام وُلِد في بابل من أرض العراق، وقيل إنه وُلد في دمشق، وقيل في حرّان، وقيل في ال أهواز، وعاش في أرض لم يكن لتوحيد الله تعالى فيها موضع، حيث كانت البشرية قد ضلت، وعبدت من دون الله ما عبدت، وقد ذكر المُؤرِّخون المسلمون أنّ بابل التي وُلِد فيها سيدنا ابراهيم عليه السلام هي أرض الكلدانيّين، وتحديداً في عهد الملك الطاغية الذي عُرِف باسم (النمرود).
محتويات المقال (اختر للإنتقال)
تعريف بسيدنا إبراهيم
اسمه: إبراهيم بن تارح ويسمى آزر، وهو من سلالة سام بن نوح عليهما السلام.
وقد ذكرت قصة إبراهيم فى كتاب الله فى 73 موضع، وكانت المدة بين إبراهيم ونوح عليهما السلام، تزيد على ثلاثة آلاف سنة (كما ذكر ابن كثير فى كتابه البداية والنهاية).
نشأة سيدنا ابراهيم عليه السلام :
وقد نشأ إبراهيم عليه السلام وسط قومين ضالين ، قوم كانوا يعبدون الأصنام ويتقربون لها ، ويدعونها رغباً ورهباً ، ويرجون منها جلب الخير ودفع الضر، وقوم كانوا يعبدون الكواكب ويصنعون لها الهياكل، ويسمونها بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان، ولكنه عليه السلام، كان بعيدا عن هؤلاء وهؤلاء فقد عصمه الله من زلاتهم ومعتقداتهم الفاسدة.
وإبراهيم هو خليل الرحمن بلا منازع وكان له مكانة كبيرة عند الله تبارك وتعالى، هذه المنزلة نشأت من سلوك إبراهيم عليه السلام، وما قام به فى سبيل الله عز وجل، ولذلك نجد أن القرآن الكريم ذكره بأوصاف خاصة به عليه السلام، فقال الله عز وجل عنه فى سورة الأنبياء الآية (51): (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ).
وكذلك قال الله عز وجل فى سورة البقرة الآية (124): (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).
ولما صار عنده أربعين عام أرسله الله تعالى بالرسالة ليكون نذيرا وبشيرا لقومه.
وتحدث القرآن بقول الله: (وإبراهيم الذى وفى).
فوفى بكل شيء طلبه منه الله تبارك وتعالى، وقول الله تعالى : (إذ قال له ربه أسلم قال أسلمتُ لرب
العالمين).
ومن الأمور التي أختص بها سيدنا إبراهيم عليه السلام، إن الله تبارك وتعالى جعل النبوة والرسالة في ذريته، فإبراهيم عليه السلام رزقهُ الله بابنين إثنين من صلبه، هما إسماعيل عليه السلام من هاجر وإسحاق عليه السلام من سارة، ثم تناسل من ذرية إسحاق أنبياء بنى إسرائيل جميعاً، وتناسل من إسماعيل عليه السلام، العرب بجميع طوائفهم وكان منه محمد عليه الصلاة والسلام.
وسيدنا إبراهيم لم يكن يهودياً ولا نصرانياً وإنما كان حنيفاً مسلماً، والذى يبين أن إبراهيم عليه السلام كان خليل الله بلا منازع.
وإبراهيم مُنح هذا اللقب لما قدمه لله من تضحيات، ولما مر به من الابتلاءات التي ابتلاه بها الله جل جلاله فقد ابتلاه الله في أبيه فصبر، وابتلاه في زوجته فصبر، وابتلاه في نفسه فصبر، وابتلاه في ابنه فصبر، فكان مثال للتضحية والفداء وصدق فيه قول الله تبارك وتعالى: (لقد كان لكم أُسوةُ حسنةُ في إبراهيم والذى معه)، فإبراهيم عليه السلام أرسله الله إلى قوم، يكفرون به ويعبدون الأصنام ، يعبدونها من دون الله الواحد القهار، وما زاد الطين بله أن إبراهيم عليه السلام، كان أباه وفى رواية أن عمهُ لا يعبد الأصنام فحسب، بل كان يصنعها ويبيعها للناس، وهذا شيء زاد من مشقة سيدنا إبراهيم ومن مسئوليته.
دعوة سيدنا ابراهيم لأبيه بترك عبادة الاصنام
توجه إلى أبيه أولاً : داعياً له بترك عبادة الأصنام والأوثان، والاتجاه إلى عبادة الله تبارك وتعالى، والقرآن الكريم يحكى ما كان من موقف إبراهيم عليه السلام من أبيه، حيث خاطبه بعاطفة وحنان البنوة فقال له فى سورة مريم الآية (42 : 45): (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا(42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا(43) يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا(44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا)(45).
فقد كرر إبراهيم عليه السلام النداء بلفظ الأبوة أربع مرات، وهذا فوق أنه أدب يوجبه حق الأبوة وأدب تشمله النبوة.
رفض والد سيدنا ابراهيم دعوته
ولكن أباهُ قابله بالرفض والعناد وأصر على ما كان منه من عبادته للأوثان، فقال له كما ورد فى القرآن الكريم فى سورة مريم الآية (46): (قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا)، ولم يعد إبراهيم عليه السلام أباه بالاستغفار له إلا حين رأى منه رفضا تاما إلى اتباعه، والتسليم بدعوته، فلما رأى أنه لا يؤمن ولا يستجيب بسبب التقليد الأعمى والخوف من كلام النا ، والحب الغامر للمال والمكانة، تبرأ منه وعدل عن الاستغفار له كما جاء فى سورة مريم الآية (47):(قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا). ، وقال تعالى فى سورة التوبة الآية (114):(وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ).
ثم ذهب إلى قومه، ومعهم أبوه يدعوهم إلى التوحيد وعبادة الله عز وجل، وقد تكلم معهم سيدنا ابراهيم عليه السلام بأسلوب فيه رقة ولين في دعوته لهم إلى الله، فكلمهم عن نفسه وعن عقيدته، واتجاهه، ومنهجه، وذكرهم بالبعث والنشور، وما يلقى فيه الكافرون من عذاب وعقاب، وما يلقى فيه أصحاب القلوب السليمة، من نعيم دائم في جنات الخلود، وهو أسلوب حكيم يلين به القلوب القاسية والنفوس الجامحة، إنه أسلوب يترك المرء مع نفسه يفكر ويتدبر ويوازن، بين حاله وحال من دعاه إلى الهدى بطريق غير مباشر، ثم يقرر في هدوء ما يراه ويطمئن إليه .
فأخذ إبراهيم عليه الفرصة اثناء الوقت الذى يخرجون فيه يوم عيدهم للاحتفال والنزهة، فتسلل بدون علمهم إلى أصنامهم فحطمها، وعلق الفأس على جسم كبيرهم، لعلهم يسألونه عن الذى حطم أصنامهم، ويلومونه على تمكينه من ذلك فلا يجدون له جواباً. قال تعالى في الآية (58): (فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلاَّ كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ).
وأفصحت سورة الصافات عن الطريقة التي سلكها في التسلل إليها والآلة التي حكمها بها فقال جل شأنه الآية (85 : 93): (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ(85) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ(86) فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ(87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ(88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ(89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ(90) فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ(91) مَا لَكُمْ لا تَنطِقُونَ(92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ)(93).
لقد كان إبراهيم عليه السلام حزين من صنعهم، وكان مهموم من عبادتهم للأصنام، فلم يكن إبراهيم عليه السلام كاذباً فيما قال، لأن الأنبياء لا يكذبون، وينبغي أن نعلم أن أول الصفات التي يتصف بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، الصدق والأمانة، وأخذ يدعوهم لعبادة الله، وترك عبادة الاصنام والأوثان، فاشتدت عداوتهم لهذا النبي الكريم، واقترح بعضهم على بعض بإحراقه نصرة لآلهتهم المهشمة، وقال الله تعالى في سورة الصافات الآية (97): (قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ).
وجمعوا الحطب من هنا وهناك، وتقربوا إلى آلهتهم بهذا العمل، فاستسلم إبراهيم عليه السلام لله واتجه إليه بقلبه يدعوه بيقين وثقة وهو راض بقضائه، صابر على بلائه، فسلب الله من النار قوة الإحراق.
جاء جبريل عليه السلام تنفيذاً لأمر الله، ولقد أمر الله الملائكة إذا استغاث بكم خليلي فأغيثوه، قال جبريل لإبراهيم: (ألك في حاجة يا إبراهيم ) قال إبراهيم : إما إليك فلا، وأما إلى الله فعلمه بحالي يغنى عن سؤالى)، وفى رواية: أن ملك المطر إستأذن الله تعالى أن ينزل المطر فيطفئ نار إبراهيم ولكن أمر ربنا كان أعجل.
فكان القرار الإلهى ممن يملك أمر الكون كله، الذى أمره موكل بين الكاف والنون، حيث قال للنار يا نار كونى برداً وسلاماً على إبراهيم، فنزع عن النار خاصيتها ولم تحرق من سيدنا ابراهيم، إلا السلاسل والقيود والأغلال وانطفأت النار وإذا إبراهيم جالس يسبح الله كأنه يتنزه فى جنة، مصداقاً لقوله تعالى فى سورة الأنبياء الآية (69):(قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ).
معجزة سيدنا ابراهيم عليه السلام
هذه هي الكلمة التي يهلك بها أكوان وتُنشأ بها عوالم، كما جاء في سورة يس الآية (82):(إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
وجاءت الروايات أنه قال : (ما كان هناك أيام أنعم عندي من الوقت الذى كنتُ فيه في النار).
ولما خرج من النار منتصراً بنصر الله، عزيزاً بعزة الله قوياً بعظمة الله، طلب النمرود حاكم البلاد من تحدي إبراهيم عليه السلام ، ومحاربته في دعوته .
قال له : من ربك، قال ابراهيم : ربى الذى يحيى ويميت، قال النمرود : أنا أحيى وأميت، ثم جاء بشخص محكوم عليه بالإعدام فعفا عنه، وشخص بريء فأعدمه، وأدرك إبراهيم أن مكابرة النمرود ما هي الا جدال ونقاش فقال إبراهيم : إن ربى يأتي بالشمس من المشرق، فإن كنت رباً فأت بها من المغرب ،( فبهت الذى كفر والله لا يهدى القوم الظالمين )، كما قال تعالى في سورة البقرة الآية (258): (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
موقف سيدنا ابراهيم من عباد الكواكب
ان أهل نجران وهى مدينة من مدن الشام، كانوا يعبدون الكواكب والنجوم، فتوجه إبراهيم داعياً لهم إلى ترك عبادة الكواكب والاتجاه، إلى عبادة الله فهو المعبود بحق، وكان الطريق الذى تبعه إبراهيم أخذ يتدرج معهم، من عبادة كوكب إلى كوكب آخر استدراجاً لهم، حتى يصل من خلال هذا الطريق إلى إبطال عبادة الكواكب التي يعبدها هؤلاء.
وقد كشف الله لإبراهيم عليه السلام حجب الغيب، وأطلعه على ملكوت السموات والأرض، ليكون على يقين تام بقدرته وبديع صنعه، وأحقيته في التفرد بالعبادة، وليأخذ مما يراه من البراهين الصادقة ما يؤيده فى دعوته ، قال تعالى فى سورة الأنعام الآية (75): (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ).
حوار بين إبراهيم وعُباد الكواكب كما ذكر القرآن الكريم فى سورة الأنعام الآية (76 : 79): (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ(76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ(77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ(78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(79).
وهذا الأسلوب الحكيم في المناقشة والمناظرة، ينبغي أن يتفطن إليه الدعاة المرشدون ويسيروا على شاكلته، وقضية الموت والبعث هى القضية الأولى في باب الإيمان، وهو الثقب الذي ينفذ منه رميات الشيطان إلى قلوب المؤمنين.
لقد طلب إبراهيم من ربه بأدب واستحياء، أن يريه شكل من أشكال إحياء الموتى ، وصورة من صور تركيب الكائنات الحية، ليزداد قلبه سكينة على سكينة، وقد شاء الله عز وجل أن يستجيب لإبراهيم عليه السلام، فأراه صورة حية من إحياء الموتى، قال تعالى فى سورة البقرة الآية (260): (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
وعندما لم يجد إبراهيم عليه السلام من قومه في بابل، إلا الرفض والاعراض عن الحق الذى جاءهم به من ربه، أعد العدة للرحيل عنهم إلى بلاد أخرى، لعله يجد فيها من يؤمن به ويسير على نهجه.
وصحب معه ابنة عمه سارة بنت هاران، وهاجر معه بن أخيه لوط عليه السلام كما قال الله تعالى:
(فآمن له لوط وقال إنى مهاجر إلى ربى إنه هو العزيزُ الحكيم).
قال النبي صلى الله عليه وسلم عن سارة: (ما خُلق على الارض أجمل من سارة إلا حواء)
. فلما هاجر من بابل مر بأرض الشام، ثم مر بمصر، ثم أستقر به المقام بعد ذلك في الشام، كما أخبرنا الله تعالى:(ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين)،والأرض التي بارك الله فيها هي بيت المقدس بالشام.
ومكث إبراهيم عليه السلام ومن معه ببيت المقدس إلى ما شاء الله، ثم سافروا إلى مصر بسبب قحط قد نزل بهذه البلاد، وهناك قد حدث لسارة حادث كان محنة أعقبتها منحة.
وذلك أن مالك ظالم من الجبابرة كان والياً على مصر، قد أخبره بعض حاشيته أن رجلاً قدم من الشام، ومعه امرأة شديدة الجمال فقال الملك : ائتونى بها فلما جاءوه بها، أراد أن ينال منها أكثر من مرة فعصمها الله منه، وهذا بفضل دعاء سارة: (اللهم إن كنت تعلم أنى أمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجى إلا على زوجي فلا تسلط علىَ الكافر).
وقد أطلق سراحها الحاكم وأكرمها وأرسل معها، الذهب والجواهر وكذلك أمة عنده اسمها هاجر، ورجعت سارة إلى إبراهيم عليه السلام، وإذا هو يصلى، فقال إبراهيم لها : ماذا حدث؟ فقالت : إن الله سبحانه تسلط على الكافر، فقال : الحمد لله.
فعادوا إلى بيت المقدس ومكثوا به، وعاش هناك وكان يدعو إلى الله ويتاجر، وصارت له الأموال الكثيرة في فلسطين.
فلما بلغ من العمر عتيا 85 سنة تقريباً، رأت سارة أنها عاقر لا تلد، وكذلك زوجها كبير يشتاق إلى الولد ويتمنى الولد فأهدته هاجر، فولدت له ولده البكر إسماعيل.
غيرة سارة من هاجر
يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن هاجر كانت تلبس النطاق (ثوب طويل) وتربط وسطها بشئ طويل حتى يمسح أثرها حتى لا تراه سارة) وهذا فى البخاري، من شدة غيرة سارة، تبغى النساء رغم الإيمان ورغم الفضل الذى كان لسارة إلا إنها غارت من هاجر، حتى زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم كانت عندهن مثل هذه الغيرة، ويجب على الرجل أن يراعى هذه المسائل عند المرأة.
ثم أمر الله سيدنا ابراهيم عليه السلام أن يخرج بهاجر وولدها إلى مكة، ويتركها هناك ليتبارك بهما هذا الوادي المبارك، فأمتثل إبراهيم عليه السلام أمر ربه عز وجل، وخرج بهما إلى حيث أمره الله ، حيث لا ماء ولا زرع، ثم تركهما وانصرف بعد وداع طويل ومرير، مستودعهم عند الله .
سفر إبراهيم عليه السلام كان على البراق، (الدابة التي كانت يركبها الأنبياء ، ويركب البُراق عندما يكون وحده ، لكن عندما يكون معه أحد يسافر سفراً عادياً.
فلما ابتعد عن الوادي وكاد ينفصل عنه راجعاً إلى الشام، دعا ربه بدعوات سجلها له القرآن في سورة سميت باسمه (إبراهيم) قال تعالى الآية (35 : 39): (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ(35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(36) رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ(37) رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِن شَيْءٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء(38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء)(39).
وقد أستجاب الله سبحانه وتعالى لإبراهيم دعوته في البلد المحرم، وجعله آمناً في الجاهلية وفى الإسلام،
قال ابن عباس قال النبي – صلى الله عليه وسلم : (يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم أو قال: (ولو لم تحيطه لكانت زمزم عيناً معيناً ولجرت كالنهر)، فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك : لا تخافي الضيعة، فإن هنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه وإن الله لا يضيع أهله، وكان البيت مرتفعاً من الأرض.
وظلت هاجر مع طفلها وحيدين حتى جاءت عليهم جماعة من قبيلة عربية يقال لها جُرُهم، فطلبوا منها أن يعيشوا بجوارها، لينتفعوا بهذا الماء فسمحت لهم وأنست بهم، وكبر إسماعيل فيهم.
كبر إسماعيل عليه السلام وشب وترعرع وصار قادراً على العمل يمشى مع أبيه ويشاركه آلامه وأماله ، ويحمل عنه بعض متاعب الحياة.
اختبار سيدنا ابراهيم وأمر الله له بذبح ابنه الوحيد
قد رأى سيدنا ابراهيم في المنام أن يذبح ولده، ورؤيا الأنبياء حق وصدق.
هنا وقفه لماذا شاور إبراهيم ابنه إسماعيل؟
كان يستطيع أن يذهب إلى ابنه إسماعيل وهو نائم فيذبحه، فالمسألة هنا تبين حرص الأب المسلم على أن يشاركه أبنه فى الأجر.
وهذا معنى عظيم ودرس للآباء والأمهات احرصوا على أن يشاركم أبناؤكم الأجر.
(1) إذا أردت أن تتصدق ، فتعطى الصدقة لأبنك لكى يضعها فى الصندوق أو فى أيدى السائل.
(2) إذا حضرت درس أحضر أولادك معك.
فأتى إلى ولده إسماعيل فأخبره بما رأى ليري رأيه في أمر قضاء الله وقدره، وليعرف رأيه ويختبر حلمه وصبره، وليهيئ نفسه لاستقبال هذه التضحية، فوجده يسرع إلى تنفيذ أمر الله إسراعاً فاق كل تصور ، ويخبره أنه سيكون واحداً من أولئك الصابرين الذين صبروا على البلاء، مع شدته ابتغاء وجه الله تعالى، وطلباً لمرضاته، وقد سجل الله هذه القصة في سورة الصافات الآية (99 : 106): (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ(99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ(100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ(101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ(102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ(103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ(104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ)(106).
هذا هو أعظم اختبار عرفه التاريخ، فمن منا مستعد، بأن يضحى بأبنه الوحيد، والتضحية ليس بالأمر الصريح ولكن بإشارة. ، ولكن الله فداه بكبش املح أقرن عظيم ،(وفديناهُ بذبح عظيم) سورة الصافات الآية (107)، سمع إبراهيم النداء فلتفت فإذا جبريل عليه السلام ومعه كبش (خروف) من السماء قال ابن عباس، رضى الله عنهما: (قد رعى في الجنة أربعين خريف، أبيض، أعين عيناه واسعتان، أقرن (قرونه كبيرة).
وسارت سُنة في أمة الإسلام، أن يضحوا لله عز وجل عند الكعبة في كل عام ويضحى معهم المسلمون في أنحاء الأرض.
بمعنى: نحن مستعدون يا رب أن نضحى بأنفسنا وأبنائنا، وكما يقول العلماء: (إن مع المحنة منحة)، بعد ما رجع إبراهيم إلى فلسطين، أكرمه الله بولده إسحاق من السيدة سارة.
وكذلك رزق الله إبراهيم عليه السلام إسحاق من السيدة سارة، ثم جاءتها بشرى أخرى هى أن الله عز وجل سيعمهم برحمته وينعم عليهم بالمزيد من بركاته.
فنزل ثلاث من الملائكة يبشرونهم (جبريل ، وميكائيل، وملك الموت) وهم في طريقهم إلى قرية لوط التي أمرهم الله بتدميرها.
حيث قال الله تعالى فى سورة الذاريات الآية (24 : 26): (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ(24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ(25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ)(26).
وأيضاً يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة هود الآية (69 : 73): (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلامًا قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ(69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ(70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ(71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ(72) قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ)(73).
في هذه الآيات ثلاث بشائر :
(1) أنها ستلد نبي كريم
(2) سيمضي بها العمر حتى ترى الولد قد كبر.
(3) سترى ابن أبنها نبي كريم يعقوب.
قصة بناء الكعبة
لما كبر إسماعيل عليه السلام، أمر الله إبراهيم عليه السلام أن يبنى الحرم، بعد أن عرفه مكانه ليكون محجة للناس، وأمناً ومقراً للطائفين والعاكفين والركع السجود، وأمره أن يصحب معه ولده إسماعيل، فقاما معاً ببناء هذا البيت بالحجارة، وهما يتضرعان إلى الله تعالى أن يجعلهما مسلمين له، وأن يجعل من ذريتهما أمة مسلمة، وإن يريهما مناسك الحج والعمرة ، وأن يبعث في أهل مكة ومن حولها رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته. وفى ذلك يقول الله عز وجل في سورة البقرة الآية (127): (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ).
جاء الأمر لإبراهيم (وأذن في البيت بالحج) فقال إبراهيم : يا ربي ان صوتي ليس مرتفع حتي أُنادى كل الناس فجاء الرد: يا إبراهيم إنما عليك الآذان، وعلينا البلاغ وذهب إبراهيم إلى جبل عرفات، وصعد على الجبل وأخذ ينادى الناس أن يحجوا بيت الله الحرام، واحد ينادى في صحراء ما يسمعه أحد، ولكن تأتى المعجزة الإلهية فبلغ صوته كل الناس في الأرض، كل البشر وصلهم الصوت وليس هذا فقط.
المعجزة الأعظم : قذف الله فى قلوب الناس حب الكعبة وحب الحج، وبدأ تعظيم البيت الحرام بأمر من الله، ثم يقول الله تعالى فى سورة البقرة (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(129).
فاستجاب الله لإبراهيم وإسماعيل، فبعث النبي محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وفى هذا يقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام : (أنا دعوة أبى إبراهيم وبشرى أخي عيسى، عليهم السلام).
أهم الأهداف والمقاصد من دعوة سيدنا ابراهيم
1- ما ينبغي أن يتحلي به الإنسان، من الأدب الجم في مخاطبة الابن لأبيه، برفق ولين لأن الوالد له مقامه واحترامه وهيبته، فمهما يكن للأبن من مركز مرموق أو مكانة كبيرة، فلا ينبغي أن يتعالى على أبيه، ولكن ينبغي أن يستخدم معه الأدب والاحترام فى مخاطبته، وهذا ما فعله إبراهيم عليه السلام مع أبيه، كما ذكرت الآيات القرآنية.
2- عدم مقابلة السيئة بالسيئة : بل يتوجب علي الداعي أن يقابل السيئة بالحسنة، وهذا درس يجب أن يعلمه الداعية إلى الله، وكما فى قصة سيدنا ابراهيم مع أبيه، عندما قابله أباه بالرفض والعناد وأصر على ما كان منه من عبادته للأصنام ، ولكن إبراهيم قال له كما وضح القرآن الكريم: (سأستغفر لك ربى إنه كان بى حفياً).
3- إن الإنسان ينبغي عليه أن يلجأ إلى الله في كل أمر من الأمور : فإذا مر بالإنسان شدة أو نزل به أمر، فيجب أن يكون كل توكله واعتماده على الله وحده، وهذا ما حدث من إبراهيم لما أُُلقيا في النار وجاء جبريل عليه السلام تنفيذاً لأمر الله، ولقد قال الله للملائكة إذا استغاث بكم خليلي فأغيثوه ، وقال جبريل لإبراهيم: ألك في حاجة يا إبراهيم، فقال إبراهيم : إما إليك فلا وأما إلى الله فعلمه بحالي يغنى عن سؤالي حسبي الله ونعم الوكيل)، فكان الجواب الإلهي، ممن يملك الكون كُله الذى أمره موكل بين الكاف والنون، حيث قال للنار يا نار كونى برداً وسلاماً على إبراهيم، فنزعت من النار خاصيتها ولم تحرق من إبراهيم إلا السلاسل والقيود والأغلال، وانطفأت النار وإذا إبراهيم جالس يسبح الله كأنه يتنزه في حديقة ، ولذلك النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: (من توكل على الله كفاه ومن استغنى به أغناه).
4- أن أهل الباطل هم دائماً في خسران وسفل : وقد أراد قوم إبراهيم أن يكون لهم النصر، فهُزِموا، بل أنهم كانوا هم الخاسرين أعمالاً، والأقل وكانوا في الحضيض، مما صنعوه مع إبراهيم عليه السلام، والقرآن الكريم يقول: (فأرادوا به كيداً فجعلناهُمُ الأخسرين) ، وفى آية أخرى: (فأرادوا به كيداً فجعلناهُمُ الأسفلين).
وهذا يؤكد أن نهاية الظلم وخيمه، وأن الظالم أمره موكل لله تعالى: (ولا تحسبن الله غافلاً عما يعملهُ الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار).
5- إن الانسان المسلم لا بد أن يكون مطيعا الله عز وجل دائما : لا يفقده الله حيث أمره، ولا يجده حيث نهاه، وهذا ما كان من أمر إبراهيم عليه السلام، ونجد الله قد وصف الله إبراهيم (وإبراهيم الذى وفى).
سلام على إبراهيم مع قومه ناصحاً ومرشداً، وسلام على إبراهيم مع إبنه صابراً محتسبا، وسلام على إبراهيم مع إخوانه من الأنبياء ناصحاً وهاديا ومحبا، وصدق فيه قول الله تعالى: (قد كان لكم أُسُوةُ حسنةُ فى إبراهيم والذين معهُ * إذ قالوا لقومهم إنا بُرءاؤاُ منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوةُ والبغضاءُ أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده).
إلى هذا اليوم طُويت صفحت نبي من الأنبياء وهو سيدنا ابراهيم عليه السلام .